نشرت وكالة بلومبرج الأمريكية تقريرًا أعدَّه مجموعة من مراسلي الوكالة (شيرلي تشاو وسكوت موريتز وتوماس سيل) سلَّطت فيه الضوء على التنافس المحتدم الآن للهيمنة على شبكات الجيل السادس ولتقديم نوع من التكنولوجيا التي كانت مادة خصبة للخيال العلمي لمدة طويلة.
الفائز الأكبر
وأشار التقرير إلى أن الرهانات مرتفعة بالفعل بالنسبة للشركات والحكومات؛ وآية ذلك أن أول مَنْ يطوِّر براءة اختراع شبكات الجيل السادس ويسجِّلها سيكون الفائز الأكبر في ما يسميه البعض الثورة الصناعية القادمة.
وعلى الرغم من أنه لا يزال أمام العالم عقد من الزمان على الأقل حتى تتحول تلك الأحلام إلى حقيقة، فإن الجيل السادس، والذي يمكن أن تصل سرعته إلى 100 مرة أسرع من السرعة القصوى لشبكات الجيل الخامس، يمكن أن يوفر نوعًا من التكنولوجيا التي كانت لمدة طويلة مادة خصبة للخيال العلمي، من الصور المجسمة في الوقت الحقيقي إلى سيارات الأجرة الطائرة وارتباط الأجسام والعقول البشرية بالإنترنت.
لقد حَمِيَ وطيس المعركة حول تكنولوجيا الجيل السادس بالفعل حتى وإن كانت لا تزال مقترحًا نظريًّا، وهو الأمر الذي يؤكد كيف أن الجغرافيا السياسية تُغذي المنافسات التكنولوجية، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين. وتنقل الوكالة عن بيتر فيتر، رئيس الوصول والأجهزة في مختبرات «بيل»، ذراع الأبحاث في شركة «نوكيا»، قوله إن هذا المسعى مهم جدًّا لدرجة أنه أصبح سباق تسلح إلى حد ما، مضيفًا أن: «الأمر سيتطلب جيشًا من الباحثين في هذا المجال لتظل قادرًا على المنافسة».
شبكات الجيل السادس.. سباق نحو الهيمنة
وأوضح التقرير أن سنواتٍ ظلَّلها الشعور بالمرارة تحت إدارة ترامب ضربت شركات التكنولوجيا الصينية بشدة، ولكن ذلك لم يمنع البلاد من الظهور بوصفها رائدةً في تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس. وتتمتع الصين بأكبر بصمة للجيل الخامس في العالم، وعلى الرغم من المحاولات المُضنية التي تبذلها الولايات المتحدة لتحدِّيها، تفوقت شركة هواوي تكنولوجيز الصينية على البائعين المنافسين لتكنولوجيا الجيل الخامس عالميًّا، وذلك غالبًا بفضل أسعارها الجذابة.
الجيل السادس فرصة لاستعادة الريادة
ونوَّه التقرير إلى أن تطوير شبكات الجيل السادس يمكن أن يمنح الولايات المتحدة فرصة لاستعادة ريادتها المفقودة في مجال التكنولوجيا اللاسلكية. يقول فيكرانت غاندى، مدير الصناعة الأول لتقنيات المعلومات والاتصالات في شركة الاستشارات «فروست & سوليفان» في الولايات المتحدة، إنه: «على عكس شبكات الجيل الخامس، لن تسمح أمريكا الشمالية بالتفريط في فرصة قيادة الجيل القادم بسهولة هذه المرة»، مرجحًا أن تكون المنافسة على قيادة شبكات الجيل السادس أشد ضراوة من المنافسة على شبكات الجيل الخامس.
ومن الواضح أن الجيل السادس يشغل بالفعل أذهان صانعي السياسة في كل من واشنطن وبكين؛ فقد غرَّد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أوائل عام 2019، على سبيل المثال، بأنه يريد الجيل السادس «في أقرب وقت ممكن».
ومن جانبها تمضي الصين قدمًا بالفعل في هذا الطريق؛ فقد أطلقت البلاد قمرًا صناعيًّا في نوفمبر (تشرين الثاني) لاختبار موجات البث من أجل الإرسال المحتمل لشبكات الجيل السادس، ولدى شركة هواوي مركز أبحاث لشبكات الجيل السادس في كندا، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الكندية. وكذلك اشتركت شركة تصنيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية الصينية «زد تي إي» مع شركة «تشاينا يونيكوم هونج كونج» لتطوير تكنولوجيا شبكات الاتصالات.
وبدورها أظهرت الولايات المتحدة أن لديها القدرة على إعاقة الشركات الصينية على نحو مؤثر، كما حدث في حالة شركة «زد تي إي»، التي كادت أن تنهار بعد أن منعتها وزارة التجارة الأمريكية من شراء التكنولوجيا الأمريكية لمدة ثلاثة أشهر في 2018، وقد تُعرقِل تحركاتٌ مماثلة طموحات شركة هواوي فيما يتعلق بتكنولوجيا شبكات الجيل السادس.
الصين وأمريكا.. رسم ملامح معركة الجيل السادس
وألمح التقرير إلى أن واشنطن شرَعَت بالفعل في رسم ملامح معركة شبكات الجيل السادس؛ إذ أطلق التحالف من أجل حلول صناعة الاتصالات، وهو مطوِّر أمريكي لمعايير الاتصالات المعروف باسم إيه تي آي إس (ATIS)، تحالفًا جديدًا باسم «نيكست جي» (الجيل القادم) في أكتوبر (تشرين الأول) «لتعزيز ريادة أمريكا الشمالية في تكنولوجيا الجيل السادس».
ويشمل أعضاء هذا التحالف شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «آبل» و«إيه تي آند تي» و«كوالكوم» و«جوجل» و«سامسونج إلكترونيكس»، ولكن لم تكن «هواوي» من بين أعضاء هذا التحالف.
ويعكس هذا التحالف الطريقة التي انقسم بها العالم إلى معسكرات متعارضة نتيجة التنافس على شبكات الجيل الخامس، إذ أقدمت بعض الدول على منع شركة هواوي الصينية من الوصول إلى شبكاتها من الجيل الخامس، وكان من بين هذه الدول اليابان وأستراليا والسويد والمملكة المتحدة وتقودهم الولايات المتحدة بعد ارتأت أن هواوي تُشكل خطرًا أمنيًّا، وهو ادِّعاء ينفيه العملاق الصيني. ومع ذلك، تلقى هواوي ترحيبًا في روسيا والفلبين وتايلاند وغيرها من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط.
كما كشف الاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) عن مشروع لاسلكي من الجيل السادس تقوده شركة «نوكيا»، والذي يشمل شركات مثل «إيركسون إيه بي» و«تليفونيكا إس إيه»، بالإضافة إلى بعض الجامعات.
انعدام الثقة
لكن التقرير استبعد أن يتراجع الشعور بانعدام الثقة في الشركات الصينية، مثل هواوي، فيما يتعلق بشبكات الجيل السادس، ذلك أن قلق الدول الديمقراطية يتزايد بشأن كيفية استخدام الأنظمة الاستبدادية لتكنولوجيا الجيل الخامس، فضلًا عن المخاوف من أن تكنولوجيا الجيل السادس يمكن أن تُسْهِم في تمكين تقنيات مثل المراقبة الجماعية للطائرات من دون طيار. وتستخدم الصين بالفعل كاميرات المراقبة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعرف على الوجه والقياسات الحيوية مثل عينات الصوت والحمض النووي لتتبع المواطنين والسيطرة عليهم.
يقول بول تيمرز، كبير المستشارين في مركز السياسة الأوروبية ومقره بروكسل والمدير السابق للمجتمع الرقمي والأمن السيبراني في المفوضية الأوروبية، إنه: «على ما يبدو تبذل الصين كل ما في وُسْعِها فيما يتعلق بالمراقبة والقمع للتأكد من أنها لا تفقد الأسواق المستقبلية في الولايات المتحدة وأوروبا»، مضيفًا أن هذا يدل على أنه لا يمكن الوثوق في إمكانية فصل النهج التقني إزاء شبكات الجيل السادس عن الأهداف الأيديولوجية للدولة.
في حين أُدْخِلت شبكات الجيل الخامس التجارية في عام 2019، لا تزال البلدان تعمل على إنشاء الشبكات وتطوير التطبيقات التي يمكن أن تجذب الأعمال التجارية وتحويل التكنولوجيا إلى استثمار مربح. وعلى نحو مماثل، قد لا تصل شبكات الجيل السادس إلى إمكاناتها إلا بعد 15 عامًا على الأقل من الآن، كما قال غاندي من شركة «فروست & سوليفان». وهناك حوالي 100 شركة اتصالات لاسلكية فقط في جميع أنحاء العالم تقدم خدمات الجيل الخامس في مناطق محدودة الآن.
ولكن الباحثين لديهم رؤية طموحة لما يمكن أن تقدمه شبكة الجيل القادم. وبمعدل من المحتمل أن يصل قدرُه تيرابايت واحد في الثانية الواحدة، فإن شبكات الجيل السادس لن تكون أسرع كثيرًا فحسب، بل إنها تَعِد أيضًا بزمن كمون (مهلة الانتظار)، الذي يسبب تأخيرات، يبلغ 0.1 مل ثانية، مقارنة بواحد مل ثانية، أو الحد الأدنى لشبكات الجيل الخامس. ولتحقيق ذلك، يركِّز العلماء على موجات تيراهيرتز فائقة التردد التي يمكن أن تلبي متطلبات السرعة والكمون، على الرغم من عدم وجود رقاقة حتى الآن قادرة على نقل كثير من البيانات في ثانية واحدة.
ويرى معدو التقرير أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان العالم المستقبلي المُتصور، الذي ستُحدد معالمه شبكة الجيل السادس، سيتجسد في النهاية على أرض الواقع أم لا. ومع ذلك ففي هذا العالم النظري، سيتصل كل شيء في عالمنا بشبكات الجيل السادس. ولن يكون بمقدور الناس التواصل مع أشياء مثل الأثاث والملابس فحسب، بل ستتمكن تلك الأدوات من التواصل فيما بينها كذلك.
وأكد التقرير على كثرة العقبات العلمية الرئيسة التي تعترض طريق تلك التكنولوجيا؛ فعلى سبيل المثال، يتعين على الباحثين أن يجدوا حلولًا للكيفية التي يمكن بها للموجات الهوائية التي تسافر لمسافات قصيرة للغاية أن تخترق بسهولة مواد مثل بخار الماء أو حتى الورق.
وقد يلزم أن تكون الشبكات شديدة الكثافة، مع تركيب محطات أساسية متعددة لا في كل شارع فحسب، بل أيضًا في كل مبنى أو حتى في كل جهاز يستخدمه الناس لتلقي الإشارات ونقلها، وهذا بدوره سوف يثير أسئلة جدية حول الصحة والخصوصية والتصميم الحضري.
وشدد غاندي على أن «التقدم التكنولوجي، لا سيما التطورات المستقبلية والمعقدة مثل الاتصالات اللاسلكية لشبكات الجيل السادس، ينبغي تطويرها بعناية»، لافتًا إلى أنه لا يمكن للبلدان أن تتعجل في اتخاذ مثل تلك الخطوات، ولا القطاع الخاص كذلك، ولهذا السبب خرجت إلى النور مبادرات مثل تحالف نيكست جي، حسبما تختم الوكالة تقريرها.
مصدر: https://www.sasapost.com/translation/u-s-china-6g-dominance/